الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)
.فصلٌ: (الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ): (وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كِبَارٌ، وَهَذَا آخِرُ أَقْوَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ امْتَنَعَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَانِّ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ.ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ شَيْءٌ، وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ وَاحِدٌ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثْنِي الْوَاجِبَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثَلِّثُ الْوَاجِبَ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي رِوَايَةٍ.وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسَا فَصِيلٍ، عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ خُمُسِ فَصِيلٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ شَاةٍ فِي الْخَمْسِ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعَشْرِ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ، وَإِلَى قِيمَةِ خُمْسَيْ فَصِيلٍ، عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ.الشرح:فصلٌ:قَالَ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ تُوجَدْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ، أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ) وَهَذَا يُبْتَنَى عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ شِرَاءٌ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُجْبَرُ، لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ، بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ.(وَيَجُوزُ) (دَفْعُ الْقِيَمَ فِي الزَّكَاةِ) عِنْدَنَا، وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالنَّذْرِ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ، كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا.وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالٌ لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ، فَيَكُونُ إبْطَالًا لِقَيْدِ الشَّاةِ، فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ، بِخِلَافِ الْهَدَايَا، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ، وَوَجْهُ الْقُرْبَةِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَهُوَ مَعْقُولٌ.(وَلَيْسَ فِي) (الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ) (صَدَقَةٌ) خِلَافًا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَهُ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَلَا فِي الْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى، ثُمَّ السَّائِمَةُ: هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ، حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عَلُوفَةً، لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ.الشرح:الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ، وَلَا فِي الْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ».قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الْعَوَامِلِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ»، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، لَيْسَ فِيهِ: زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.وَهَذَا مِنْهُ تَوْثِيقٌ لِعَاصِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ.حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ»، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِسَوَّارٍ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى.حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَغَالِبٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيّ: مَتْرُوكٌ.حَدِيثٌ فِي الْمُثِيرَةِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى.وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا.(وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رُذَالَتَهُ، وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ كَرَائِمِهَا وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» أَيْ أَوْسَاطَهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ».قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَهُ مُرْسَلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِمُصَدَّقِهِ لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَنْفُسِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذْ الشَّارِفَ، وَالْبِكْرَ، وَذَوَاتِ الْعَيْبِ»، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادُ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَالشَّارِفُ: الْهَرِمَةُ، وَالْبِكْرُ: الصَّغِيرُ مِنْ الْإِبِلِ يُؤَدِّي، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَرَأَى مِنْهَا شَاةً حَامِلًا، ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا، وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَقَالَ: الْحَزَرَاتُ: هِيَ خِيَارُ الْمَالِ. انْتَهَى.وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ، قَالَ: «أَبْصَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَاقَةً حَسَنَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ إذًا»، انْتَهَى.وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ «مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ،فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»، الْحَدِيثَ.وَ حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: قَرَأْت فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ، عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ قَيْسٌ مِنْ غَامِزَةِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرَنَةَ، وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشُّرَطَ اللَّئِيمَةَ، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ»، انْتَهَى.وَلَمْ يَصِلْ أَبُو دَاوُد بِهِ سَنَدَهُ، وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ الْأُصُولِ.قَالَ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّاهُ بِهِ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَضُمُّ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ، فَكَذَا فِي وَظِيفَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ.وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، لِأَنَّ عِنْدَهَا يَتَعَسَّرُ الْمَيْزُ، فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ، وَمَا شُرِطَ الْحَوْلُ إلَّا لِلتَّيْسِيرِ.قَالَ: (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ).وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: فِيهِمَا، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ، لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ، وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا».وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، وَنَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ، فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَالرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُصْرَفُ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ، ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا، ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا.الشرح:الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا».قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا»، انْتَهَى.وَقَوْلُهُ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ»، تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «فِي خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ».قَوْلُهُ: «وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا»، فَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّدَقَاتِ: «أَنَّ الْإِبِلَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ يَعْنِي حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً»، انْتَهَى.قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ.قُلْت: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النِّصَابِ مَعَ الْعَفْوِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ أَنَسٍ: «مِنْ كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ»، الْحَدِيثَ.«وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ»، الْحَدِيثَ.وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ غَيْرُ الْوُجُوبِ إلَى النِّصَابِ الْآخَرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ مُنْسَحِبٌ إلَى الْوُجُوبِ الثَّانِي، وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَفْوُ.(وَإِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ الْخَرَاجَ وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً.وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ، وَهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ، وَقِيلَ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَا مَا دُفِعَ إلَى كُلِّ جَائِرٍ، لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ فُقَرَاءٌ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ.(وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ فِي سَائِمَتِهِ شَيْءٌ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ صِبْيَانِهِمْ.الشرح:قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي مَعَ بَنِي تَغْلِبَ قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا صَالَحَهُمْ يَعْنِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ، قَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَفَعَلَ، فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: صَالَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُضَاعِفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَلَا يَمْنَعُوا فِيهَا أَحَدًا أَنْ يُسْلِمَ، وَلَا أَنْ يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ، وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: وَأَنْ لَا يُنَصِّرُوا صَغِيرًا.وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هُشَيْمِ ثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشِي، وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ. انْتَهَى.وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ حُمَيْدٍ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بِهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، وَكَانَ زِيَادُ يَوْمَئِذٍ حَيًّا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ نِصْفَ الْعُشْرِ، انْتَهَى.وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ الْأَسَدِيُّ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، انْتَهَى.(وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ، فَصَارَ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ، فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحِلِّهِ، كَدَفْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ بِعَيْنِهِ الْمَالِكَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَبَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي قِيلَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، لِانْعِدَامِ التَّفْوِيتِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي، وَفِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالْكُلِّ.(وَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ، كَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ، خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|